كيف تتغلب على القلق والخوف من آراء الآخرين؟

القلق والخوف من آراء الآخرين

القلق والخوف من آراء الآخرين هل هو صحي؟ لعل أوّل ما يطرأ ببال العموم حينما نأتي على ذكر مصطلح “الصحة” صحتنا المادية! أي صحة أجسادنا وقوانا البدنية، إلا أنّ فهمنا للصحة هذا لقاصرٌ عن إدراك أهمية جوانبه المستترة، التي اعتدنا التغاضي عنها ربما، أو عدم الاكتراث بها. 

جاء بمعرض دستور منظمة الصحة العالمية عن تعريف الصحة ما نصه: “هي حالة من اكتمال السلامة بدنياً، وعقلياً، واجتماعياً، لا مجرد انعدام المرض، أو العجز فقط.” 

إذ لم تقتصر الصحة بالتعريف على السلامة البدنية، وانعدام الأمراض العضوية فحسب، بل تعدتها للصحة والسلامة النفسية للفرد، وما تسوقه من اكتمال السلامة المجتمعية.

الصحة النفسية والحاجة إلى التقدير

إن لصحتنا النفسية وتوازنها الدور الأسمى بتحقيق حياةٍ آمنةٍ للفرد، وديمومة نمو المجتمع وازدهاره. حيث تسهم الصحة النفسية بفهم الفرد لنفسه، وترفع شعور سعادته بذاته والآخرين، كما تزيد من مقدرته على استغلال مهاراته، وبذل أقصى طاقاته وكفاءاته لتأمين عيشٍ سالمٍ وآمن.

من جملة حاجاتنا النفسية التي نسعى لإشباعها في طريق استقراراتنا الحياتية “الحاجة إلى التقدير”. حيث تعتبر هذه الحاجة واحدةً من أهم ركائز الصحة النفسية، وضرورةً ملحةً لتحقيق اتزان الشخصية. 

وأمكننا تمييز شقين من التقدير: تقديرٌ داخليٌ، وتقديرٌ خارجي. 

أنواع التقدير

  • فالتقدير الداخلي، ذاتي يعكس كيفية تقييم ورؤية نفسك بعين نفسك!
  • والتقدير الخارجي، يعكس تقييمك لنفسك بناءً على تقييم الآخرين لك.

والإنسان السوي من يمكنه المواءمة والموازنة بين كلا النوعين بلا تفريط ولا إفراط، فلا يطغى تقديره الذاتي على الخارجي فينقم على وسطه المحيط، ويبدأ رحلة استعلائه ونرجسيته، فيتضخم أناه ماحياً كيان من حوله، وقد يبلغ العجب والكبر به مبلغه فيصل حدود جنون العظمة حيناً. 

ولا أن يطغى التقدير الخارجي على تقديره الداخلي! فينقم على نفسه ويجعلها رهينة انطباعات الآخرين، وحبيسة آرائهم، فإن أعلوا قيمته أعلاها، وإن ازدروه ازدراها! فيفقد بذلك ثقته بنفسه، ويتجرد من قناعاته الذاتية وقيمه.

أسباب القلق والخوف من آراء الآخرين

ولعل نمط ما نعيشه من حياةٍ اليومَ بظل التقدم التكنولوجي، واجتياح الانترنت لأدق تفاصيل ومناحي الحياة، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي انتشار النار في الهشيم! أدى بمجمله لتشويه معالم علاقاتنا الاجتماعية، والإخلال بسلام صحتنا النفسية واستقرارنا الذاتي، إذ يُعتبر ما أسماه علماء النفس بـ القلق التقييمي الاجتماعي” من أبرز آفات عصرنا الحالي تأثيراً وإضراراً. 

ينشأ القلق والخوف من آراء الآخرين عموماً من تعطش الفرد ورغبته في أن يكون محبوباً من الجميع على الدوام. ولأن إرضاء الناس غاية ما أدركت ولن تدرك قط، يسعى المرء حثيثاً -رغم فشل محاولاته- بخطب ودّ من حوله لردم خوائه الداخلي وضعف ثقته بنفسه، وملئه بتقديرات ومحبة الآخرين له. فكأنه بذلك يختار بنفسه قدره بأن يسير طوال حياته أعرجاً، يلقي جل ثقله على قدمٍ واحدةٍ ليكتشف بمرحلة ما أنها اصطناعية واهية! وأنه معرضٌ لفقدانها بأية لحظةٍ، فاقداً معه ذاته. 

إن المبالغة بالاعتماد على آراء وتقييمات الآخرين لنا، تسوق الإنسان لحالة من الاضطراب والشتات، تحرمه صفاءه الذهني واستقراره النفسي. الأمر الذي يسبب عزلةً واضطراباً بعلاقاته الاجتماعية، وما يرافقه من ضغوط نفسية هائلة ترخي بظلالها المشؤومة على جميع جوانبه الحياتية. خاصةً بعد أن أصبح هذا الخوف هاجساً لا منطقياً، لا خير فيه بعالمنا الحديث.

المشاكل التي يسببها القلق والخوف من آراء الآخرين

إن التداعيات السلبية لمخافتنا آراءَ الآخرين، لا تقف عند حدود الاضطرابات النفسية فحسب، بل تؤثر بمعالم الإنسان، وشخصيته، وبنيته الفكرية أيضاً. إذ تدفع شدة الخوف الأشخاص لمراوحة مكانهم مضحّين بحرية تعبيرهم عن أنفسهم بالسماح لها بإظهار أمانيها وتطلعاتها، تميزها وتفردها! مقابل بقائهم متماهين مع المحيط، محتفظين بمكانهم المعتاد بين أفراد القطيع. فيخشون الخروج من دوائر أمانهم الضيقة مخافة التعرض للسخرية أو الرفض المجتمعي، ويتهيّبون التحليق بآفاقهم وسماواتهم الخاصة ليقضوا بقية حياتهم كنسخٍ مملةٍ، مكررة تفتقر الهوية والبصمة. يحدث هذا كله وأكثر نتيجة تقييدهم أنفسهم وانصياعهم لرهاب احتمالات آراء وأفكار الآخرين عنهم، الأمر الذي يؤثر بالضرورة والنتيجة على مستوى تقدم ووعي أسرٍ ومجتمعات بأكملها، وبالتالي تقدم وازدهار دولة!

كيف تتغلب على القلق والخوف من آراء الآخرين؟

والآن، بعد أن تعرفنا ماهيّة ظاهرة الخوف من آراء الآخرين، أسبابها وتبعاتها. أصبح بالإمكان بحث سبل مواجهتنا لآراء الآخرين للتخلص من رهابها. أو الحد من آثارها السلبية قدر الإمكان. نذكر لك تالياً بعض النصائح المفيدة والمساعدة في ذلك:

  • توقع وكن على أهبة الاستعداد لتلقي أي نقدٍ تواجهه.
  • كن هادئاً مسترخياً. لا تسمح لآراء الآخرين وطرق تعبيرهم مهما بلغت شدة وطأتها بأن تؤثر بطريقة تفكيرك، وآليات حكمك ومعالجتك.
  • فكر بإيجابية وموضوعية. وابنِ من آراء الآخرين وانتقاداتهم سلم ارتقاءٍ تطور به ذاتك، فلربما أصاب الرأي فيك جانباً جهلته؟
  • ضع نفسك مكان منتقدك، وتقمص دوره لبرهة لتفهم دوافعه ومقاصده، وتعلم سبب انتقاده. 
  • لا تسمح للنقد بأن ينال منك ويحطم كنوز إنجازاتك ونجاحاتك، افصل بين آراء الآخرين بك وقيمة ذاتك. 
  • أكمل مسيرك دون توقف، وتذكر أن لو استسلم العظماء وأصاخوا السمع لوابل القذف والانتقادات لما بقي اليوم لهم ذكرٌ، وما استفادت من خيرات علومهم أقوامٌ وأمم. 
  • وسع أفقك، وحدود تعاطفك الإنساني. فلا تعامل الآخرين بما تكره أن تعامل به، ولا تجحفهم حقهم فتختزلهم بمكانتهم الاجتماعية، أو بما يتبادر لذهنك من توقعات فقط.

رحلة الحياة والتغلب على الخوف

لا بد لك من التذكر ختاماً أن الحياة قصيرةٌ جداً، وأن عليك اغتنام فرصك بتحقيق أمانيك، وأحلامك، والإفصاح عن معتقداتك، وقيمك ورؤاك. 

وأنك خلقت على وجه الأرض لتحقق هدفاً وغايةً مجهولة، لن يدرك سرها، ويكتشف عوالمها أحدٌ سواك! فلا تبدد ثمين وقتك بتهيؤات الآخرين عنك والمخاوف والمهاترات. فالناس سيتكلمون ويثرثرون بكل حال! واعلم أن قيمتك كإنسان لأعظم وأكبر من الصورة التي يرسمها ويكونها الآخرون عنك. وما هي بغالبها إلا نظرة ضيقة وسطحية، إذ يقضي الإنسان حياته محاولاً فهم خبايا نفسه ويبقى أمام ذلك عاجزاً إذما باغته الموت قبل ذلك أيضاً! فبأي حقٍ، وتحت أي منطقٍ وبندٍ نسمح لآراء الآخرين بالحكم والسيطرة علينا، بقولبة حياتنا، وتوجيه دفات خياراتنا دون تدبر وإدراك؟ 

ثق بنفسك وآمن بأصالتك وفرادتك، اشحن نفسك دوماً بطاقات التميز والنجاح، واسع جاهداً لتحقيق أهدافك بكل عزيمة وإصرار!

اقرأ أيضًا: أفضل وضعيات النوم وفائدة وأضرار كل وضع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *